الخميس، 9 ديسمبر 2010

ثنائية الصراع .. حتمية المواجهة قراءة في ديوان " ما بيننا " للشاعر عماد علي قطري

إن ما يثير الانتباه حقا عند مطالعة ديوان " ما بيننا " (1) للشاعر عماد قطري هي تلك الروح التي تلبس روح الشاعر، فهو في حراك مستمر وصراخ لا يتوقف مع قضية من أخطر القضايا في واقعنا المعاصر،( الصراع العربي الفلسطيني )
فالشاعر عندما يترك لنفسه البوح والنوح يقع كثيرا في فخ الاستمرار وربما حد الاستعذاب، وعندما يكون الهمس تبدو طاقات الشاعر الحقيقية، وهي طاقات واسعة يستطيع أن يلامس بها تخوم الحرية الأوسع، ويمكن له أن يحقق من خلالها وظيفة الشعر، حيث يقول د.إحسان عباس:" إن الشعر كشف ذو مهمتين، تحويل العالم وتفسير العالم،أو كما يقول "بريتون ": إن دور الشعر أن يظل يتقدم دون توقف، أن يكتشف مجال الإمكانات في كل وجهة، وأن يبدو دائما مهما يحدث من أمر- قوة تحريرية ورصدية – وعلى هذا الأساس يصبح انفتاح الشعر للفهم هو العدو الأكبر للكشف، لأن مهمة الشاعر الأولى إخراج اللفظة من الحيز العقلي، حتى تصبح الكلمة قادرة على أن تعبر لا " عن فعالية الروح وحاجتها "أي تصبح ثورة وتصبح لعبة الكلمات بما فيها من إيحاءات صوتية أهم بكثير من قيمتها( السيمانتية ) الدلالية . "(2) .
وقد حمل ديوان " ما بيننا " 22 قصيدة " بالإضافة إلى مقدمة نقدية للأستاذ الدكتور حسين على محمد متناولا فيها العديد من السمات الفنية التى تعبر عن قدرة الشاعر فى استلهام التراث الإسلامي .
ولما كان الأمر كذلك حاولت في هذه القراءة أن اقترب من هذا العمل من خلال ثنائية الصراع .. وحتمية المواجهة " بين الأنا والآخر ، فالعنوان يحمل تلك الثنائية "ما بيننا" أشياء معلقة بين طرفين ، وسأحاول أن أبحث عن التوازن في القوى بين الطرفين ، من خلال مجموعة من الأسئلة الملحة موضوعيا في المقام الأول مثل :
- ما الذي يملكه طرف على حساب الطرف الآخر ؟
لماذا يصر الشاعر على تلك الثنائيات ..؟ ما المعطيات التي مكنت الشاعر من التمسك بتلك الرؤية التي أظنها للوهلة الأولى ( أحادية ) باعتبار أن الطرف الثاني ليس في المواجهة المباشرة، ولا ينتمي إلى لغة الحوار التي انتهجها الشاعر للبوح ؟
لماذا يركن الشاعر للاستدعاء التراثي مخاطبا في بعض الأحيان تخوم المستقبل متجاهلا عتبات الحاضر ؟هل ما زال هناك مساحة للحلم والخلاص ؟
الحقيقة أسئلة كثيرة موضوعية يطرحها الديوان .. سأحاول ما استطعت الاقتراب من البحث عن إجابات ممكنة.كما لا يجب أن ننسى أن الشعر له ماهيته الفنية والوظيفية التي يجب أن نتعامل معها بعيدا عن الصوت العالي الذي يجمح نحو الإصلاح السياسي أو الاجتماعي، ولذلك لابدأن نبحث في شعرية النص الشعري من خلال لغته،فالشعر كما هو معروف،إنشاء لاحق، غايته التعبير عن العلاقة المعقدة القائمة بين الإنسان والعالم. وهي علاقة ذات طبيعة خاصة تختلف، رغم ما فيها من ثوابت، باختلاف الأشخاص والإيقاع الحضاري السائد في كل عصر. ولذلك فإن المنهج أو القاعدة الثابتة لا وجود لها في عالم الإبداع الشعري إلا في الإطار العام الثابت.
لأن الالتزام بالتفاصيل الدقيقة يجهزُ أحياناً على لغة الإبداع ويقتل القدرة على الخلق، ويقود الشاعر إلى التكرار وإعادة قول وإنتاج ما سبق قوله وإنتاجه.(3)
الحقيقة أن الشاعر وفق في الإشارة إلى الراوي في قصيدة ما بيننا موضحا أنه الطفل الفلسطيني الذي يقف في مواجهة العدو الإسرائيلي مخبره ومحدثه قائلا : (وطني .. وأرضي .. والسماء..وبحرنا حق لنا)
لقد افتتح الشاعر هذا الديوان بتلك المصادرة على الآخر .. والتمسك بالحقوق تلك المصادرة في الحقيقة لم تأت من فراغ لأن الطفل راح يعدد أسباب الصراع فيقول :
ما بيننا وطن لا يقبل التقسيم
ما بيننا موت وتضحية
ما بيننا طفل صغير
غيّبت نار " الأبتشي "
بسمة الوجه الصبيح
ما بيننا أشلاء أطفال قضوا
مزقتهم ..
أسكنتهم ذاك الضريح
ما بيننا حرب وأسري في الفيافي
خنتهم .. قتلتهم ...
ودم .. يسيح
إن الشاعر / اللاجئ قدم أسبابه المنطقية للصمود والدفاع عن هويته وتراثه وأرضه ودمه، ولعل ثنائية: نحن/ الآخر من الثنائيات المتداولة في الخطاب الفكري العربي الحديث والمعاصر، وهي تكاد تكافئ من حيث الدلالة ثنائيات متداولة أخرى مثل:
الشرق/ الغرب- الأصالة/ المعاصرة- التراث/ الهوية- الداخل / الخارج..... وسوى ذلك من الثنائيات المكافئة.
والفكر العربي الحديث منهمك منذ بدايات ما اصطلح على تسميته بعصر النهضة، في عملية كبيرة، هدفها البحث عن الذات، أو بالأحرى عن خصوصية محتملة، نتيجة ما يعانيه من شعور حاد بفقدان الهوية، فالمحيط " المادي/ الاجتماعي/ الاقتصادي/ الثقافي/..." الخاص، لابد أن ينتج فكراً ذا خصوصية، سواء من حيث المضمون الذي يعكس هذا المحيط،أو من حيث الطريقة والأدوات، والأساليب، وبناء الأنساق والمقولات، والمعايير الفكرية، التي تشكل في مجموعها منظومة متمايزة، يتم في ضوئها التعامل مع هذا المحيط.(4)
فقدم الشاعر النتيجة التي عمد إليها اللاجئ / الراوي حين قال :
إني أورث طفلتي كرها
يغيظكمو
يحيل سماءكم خوفا .. وريح
إني أرسخ في ضمير الطفل
أدعية
بها يسمو على الكون الفسيح
إني أحفظ طفلتي
في كل صبح
آية " لا تحسبن ..."
قول صريح
لعل هذه الخاتمة لتلك الفقرة هي من جماليات التعبير النفسي والدلالي في القصيدة ، حيث جاء التوظيف القرآني مكثفا ودالا ومعبرا عن حتمية المواجهة داخل هذا النص الشعري ، فقط مـما أوقع الشاعر في الاسترسال رغبة منه في التمسك بالموسيقي الداخلية والقافية ، مما أدى إلى التكرار غير المبرر أحيانا ، والعودة إلى تكرارية المشهد في أكثر من موضع في جسد القصيدة الواحدة أحيانا أخرى ، رغم أن شعر التفعيلة ينأى بنفسه عن الوقوع في مثل هذا الفخ ، والشعر للحقيقة كما نعلم جميعا التكثيف وعدم التكرار أو التفسير إلا إذا كانت هناك مبررات لذلك
والشاعر هنا قد عمد إلى التكرار كثيرا في هذا النص عبر الفقرات الثلاث التي حملت الجسد الكلي له ، وهو من سمات الشعر الإسلامي الذي هو في غالبه يتأثر بالقرآن الكريم من أجل التقرير والتأكيد (5) ، حيث جاء التكرار هنا على شكل هندسي متقن يعبر عن منحنى ينطلق حتى يصل إلى ذروته فيعود في الانخفاض ولكن يظل في مستوى أعلى من مستوى انطلاقه ، فقد جاءت الفقرة الأولى بسبع تكرارات ، تتعلق بكلمة " ما بيننا " وقد حوت في مضمونها التمسك بالأرض والدم والعرض ... الخ .. بينما حملت الفقرة الثانية إلى المساءلة التاريخية والسياسية محددا موقفه من اتفاقيات السلام ، فيقول :
ما بيننا ماض لنا .. ودم لنا ..
لا ينمحي بالحبر
في عقد السلام
وهو بذلك يرصد تاريخ الآخر من خلال أفعاله القائمة علىالجهالة والغدر ، ويقر بأن الأمر ليس في تلك الأشياء :
ما بيننا ليس الحصار
وقطع تيار
وحظر تجول بين الخيام
إنما الأمر يتعلق بمذابح نفذها الآخر ، وهي الكفيلة بخلق كل هذه المرارة وذلك الحنق والاستنفار فيقول:
ما بيننا ليل بـ "يافا"
لقد كررت تلك الافتتاحية " ما بيننا " إحدى عشرة مرة في الفقرة الثانية ،ثم يكررها تسع مرات في الفقرة الأخيرة ، وهنا تتضح لدى المتلقي من خلال القراءة الإحصائية ، أن الصراع قد بدأ في الانطلاق بقوة حتى وصل ذروته ، ثم انخفض ذلك المنحنى من جديد وبقوة أعلى من قوة الانطلاق ، بمعنى أن الخلاص من ثنائية الصراع لن تكون حتى يعود المنحنى إلى مستوى أعلى من المستوى الذي وصل إليه في ذروته .. هذا من حيث الإحصاء والمنحنى البياني للنص ..
أما من حيث التكرار الذي أخذ القصيدة إلى معاودة الأشياء دون أن
يكثف الشاعر المعنى ويكتفي بالفقرة الاستهلالية الأولى التى تمثل مفتتح النص التى يقول فيها مكررا الدلالات والمعانى :
ما بيننا موت وتضحية
ما بيننا طفل صغير
غيّبت نار " الأبتشي "
بسمة الوجه الصبيح
ما بيننا أشلاء أطفال قضوا
مزَّقتهم ..
أسكنتهم ذاك الضريح
ما بيننا حرب وأسري في الفيافي
خنتهم .. قتلتهم ...
ودم .. يسيح
يدل على ذلك هذه الدلالات التى تقترب فى معناها من االتصريح المباشر مثل تركيب ( دم .. يسيح) خاصة بعد كل ما ذكره الشاعر من موت وتضحية وحرب ... الخ وهذا أيضا يتفق مع قوله بالفقرة الثانية من نفس القصيدة " :
ما بيننا تاريخ قصف مظلم
وأب يطالب أهله بالانتقام
".... "
ما بيننا دم طفلة مقتولة
لم ترتقي – يا مجرما –
حد الفطام
ثم يقول في الفقرة الثالثة من القصيدة :
ما بيننا طفل يموت
مع تكرار لذكر المذابح عبر الفقرات فسبق أن قال :
ما بيننا ليل بـ "يافا"
وها هو يكرر ثانية
ما بيننا صبرا وشاتيلا
وقانا .. والدماء
والأمثلة كثيرة داخل هذه القصيدة ، لكن رغم كل ذلك تبقي حاملة داخلها عمق الصراع وحتمية المواجهة بين طرفين أحدهما يقف على أرض ثابتة بما يحمله من أصالة وتاريخ وتراث ووعد من الله بالنصر، ومن صور تترى من صور الصراع بين الطرفين كانت الغلبة فيها للأبطال المسلمين أمثال أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب أو القائد البطل صلاح الدين الأيوبي ، وجاء التوظيف لتلك الشخصيات والاستدعاء معبرا عن توق حقيقي للفكاك والخلاص ويؤكد الشاعر في هذا النص على أن اليهود / الطرف الثاني لا عهد لهم توافقا مع ما كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عندما ختم القصيدة من منطقة معاصرة تتوافق مع تلك المنطقة التراثية فيقول :
مات الصغير
ولم يكن جبنا يصيح
وإنما غدرا سلبتم مضجعه
مات الصغير
وموته عار لكم
سقطت تخاريف السلام
ومن معه
إنا سنأخذ ثأرنا منكم غدا
نقتص منكم
للشهيد بأربعة
وقياسا على تلك القصيدة تأتي قصائد " مجهول " " فرادى " " لهم " " دمي ليس ماء " ... الخ
وقصيدة دمي ليس ماء " يقدم فيها الشاعر قصيدة مميزة وتعبر عن
شاعر تجربة حقيقية يمتلكها شاعر يمتح من مروج الشعر الكثير والكثير ، كما أن توظيفه للشخصيات التراثية المستدعاة من التراث الإسلامي كان موفقا ومكثفا ودالا ولنذهب إلى تلك الصورة الشعرية التي بدأ بها هذه القصيدة لنتعرف على تلك الطاقة الشعرية التي يمتلكها فيقول :
دمي ليس ماء
وجرحي ابتداء
نزيف الجراح التي أجهدتنا دماء
دمي ليس ماء
ونبض العصافير
عند ابتداء الرحيل اشتهاء
هنا خفقة البدء ليست رجاء
فنحن الصغار الذين احتوى قلبهم
موسم النصر
في ربا الانتماء
وربما فرضت علىَّ هذه التجربة تذكر قصيدة " لا تصالح " لشاعرنا الكبير أمل دنقل ، عندما يكرر ويقول :
دمي مثل ...
لا...لا ...
دمي ليس شبه المياه انحنت للخواء
دمي ليس شبه الدروب استطابت
خطى الأغبياء
دمي ليس إلا دمائي
دمائي دماء
دمي ليس ماء
وبالطبع كلنا يتذكر قصيدة " لا تصالح " وما بها من مزاوجة بين الأنا " والآخر " ، حيث ركز ( دنقل ) في قصيدة من خلال التكرار على أن دم الأخ ليس كدم العدو المغتصب ، فالبون شاسع ، ولا مجال للتخاذل على الثأر ، لقد كان التكرار مبررا تماما عنده ، لأنه فيها قد استثار داخل كل عربي الدافع للثأر، ووضعه أمام مسئولياته ، بينما نلحظ معا تلك الافتتاحيات المتكررة لتلك القصائد لشاعرنا ( عماد على قطري )يقول مفتتحا :
ليس للبيع ... قصائد ( دم الياسمين –فستان يارا – أم – طفل – مفتاح – القصاص ..القصاص.. القصاص – قطرة .. من دم –طفلة – قطرة .. ورمل .. ) بل إن الافتتاحيات جاءت في بعض القصائد السابقة متطابقة تماما عندما يقول : ليس للبيع هذا الوطن
وإن دلت هذه التكرارات فإنما تدل على أن الشاعر مهموم حتى النخاع بقضية الوطن وحتمية المواجهة .. لأنه ليس من مجال للصمت أو كبح جماح النفس البشرية التواقة للحرية والخلاص.
ولقد وجدت الكثير من الإجابات التي طرحها هذا الديوان على ذهني ، فها هو الطرف العربي المسلم يملك معطيات وجوده وآليات صموده في مواجهة المغتصب المحتل الذي يقف على أرض واهية لن تنصفه رغم تجبره ومذابحه المستمرة ،لأنه يزيد الوقود تأهبا للاشتعال.. وإحداث الدمار ، كما أن القفز على الحاضر يعد نوعا من الاحتجاج على الصمت الذي يعيشه واقعنا المعاصر، مرتكنا على ميراث كبير من المواجهات الثنائية بين الطرفين وكانت النتيجة تصب في صف الطرف المسلم ،
بالطبع ستظل مساحات الحلم بالخلاص موجودة ما دمنا نملك تلك الروح التواقة للخلاص فيقول الشاعر :
هنا حلمنا لم يزل ممكنا
هنا بعضنا لم يزل يرقب الوضع
يرنو لطيف دنا
أخي قادم
خلف هذي المساءات يأتي
كفجر أبي السنا
هنا حلمنا لم يزل ممكنا
سيظل الحلم قائما رغم صعوبات الحاضر ، فهناك أخ قادم خلف المساءات ، سيجيء بالفجر الذي يبدد معه ظلمة الليل ، وظلمات الحاضر. فما أروع أن تظل شجرة الحلم تكبر داخلنا ويظل الشعر دافعا للبوح وللثورة وللحياة .
ومن خلال هذه القراءة تتجلى العديد من الإجابات على ما طرحناه من أسئلة في صدر الدراسة ، فيما يتعلق بحتمية الصراع بين طرفين واستدعاء الشخصيات التراثية واستثارة الذائقة العربية والمسلمة من خلال الأحداث التاريخية المؤثرة في تاريخ العلاقات بين الطرفين ، لقد أجاد الشاعر في الكثير مما طرحه لنا من خلال تجربته .

الهوامش والمصادر:
1. ما بيننا – عماد على قطري –أصوات معاصرة-2..3م
2. اتجاهت الشعر العربي المعاصر – د. إحسان عباس – عالم المعرفة ص7 العدد 2 فبراير 1978 .
3. شعر الواقع والكلمات – د. ضياء خضير 2000 ص12 – اتحاد الكتاب العرب دمشق )
4. نحن والآخر –محمد راتب الحلاق- اتحاد الكتاب العرب 1997 م دمشق
5. الإسلام والشعر – د. سامي مكى العاني عدد66 – 1996 عالم المعرفة ص185



الأحد، 5 ديسمبر 2010

صدور رواية نزف لمحمود الديدامونى





صدرت رواية نزف لمحمود الديدامونى
عن سلسلة خيول أدبية التى تصدرها محافظة الشرق بالتعاون مع هيئة قصور الثقافة
الرواية تعد الرواية الثانية للكاتب الديدامونى بعد رواية " واسمه المستحيل " الصادرة في
२००७
كما أصدر من قبل مجموعتين قصصيتين هما " اتراني أحيا حقا " و" ليست كغيرها "